فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني:

وقد أطال المتكلمون الخصام في تفسير الضلال المذكور هنا، وفي نسبته إلى الله سبحانه.
وقد نقح البحث الرازيُّ في تفسيره مفاتيح الغيب في هذا الموضع تنقيحًا نفيسًا، وجوّده وطوّله، وأوضح فروعه، وأصوله، فليرجع إليه فإنه مفيد جدًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} جملتان جاريتان مجرى البيان، والتفسير للجملتين المصدرتين بأما إذ يشتملان على أن كلا الفريقين موصوف بالكثرة وعلى أن العلم بكونه حقًا من الهدى الذي يزداد به المؤمنون نورًا إلى نورهم، والجهل بموقعه من الضلالة التي يزداد بها الجهال خبطًا في ظلمتهم، وهاتان يزيدان ما تضمنتاه وضوحًا أو أنهما جواب لدفع ما يزعمونه من عدم الفائدة في ضرب الأمثال بالمحقرات ببيان أنه مشتمل على حكمة جليلة وغاية جميلة هي كونه وسيلة إلى هداية المستعدين للهداية وإضلال المنهمكين في الغواية، وصرح بعضهم بأنهما جواب لماذا ووضع الفعلان موضع المصدر للإشعار بالاستمرار التجددي والمضارع يستعمل له كثيرًا، ففي التعبير به هنا إشارة إلى أن الإضلال والهداية لا يزالان يتجددان ما تجدد الزمان، قيل: ووضعهما موضع الفعل الواقع في الاستفهام مبالغة في الدلالة على تحققهما فإن أرادتهما دون وقوعهما بالفعل وتجافيًا عن نظم الإضلال مع الهداية في سلك الإرادة لإيهامه تساويهما في التعلق وليس كذلك، فإن المراد بالذات من ضرب المثل هو التذكير والاهتداء كما يشير إليه قوله تعالى: {وَتِلْكَ الامثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 1 2] وأما الإضلال فعارض مترتب على سوء الاختيار، وقدم في النظم الإضلال على الهداية مع سبق الرحمة على الغضب، وتقدمها بالرتبة والشرف لأن قولهم ناشئ من الضلال مع أن كون ما في القرآن سببًا له أحوج للبيان لأن سببيته للهدى في غاية الظهور، فالاهتمام ببيانه أولى، ووصف كل من القبيلتين بالكثرة بالنظر إلى أنفسهم وإلا فالمهتدون قليلون بالنسبة إلى أهل الضلال وبعيد حمل كثرة المهتدين على الكثرة المعنوية بجعل كثرة الخصائص اللطيفة بمنزلة كثرة الذوات الشريفة كما قيل:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتت ** لدى المجد حتى عد ألف بواحد

لاسيما وقد ذكر معها الكثرة الحقيقية، هذا وجوّز بعضهم أن يكون قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا} الخ في موضع الصفة لمثل فهو من كلام الكفار، ولعله من باب المماشاة مع المؤمنين إذ هم ليسوا بمعترفين بأن هذا المثل يضل الله به كثيرًا ويهدي به كثيرًا وأغرب من هذا تجويز ابن عطية أن يكون {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا} من كلام الكفار وما بعده من كلام الله تعالى وهو إلباس في التركيب وعدول عن الظاهر من غير دليل، وإسناد الإضلال إليه تعالى حقيقي وقد تقدم وجهه فلا التفات إلى ما في الكشاف لأنه نزغة اعتزالية، والضمير في {بِهِ} للمثل أو لضربه في الموضعين، وقيل: في الأول للتكذيب، وفي الثاني للتصديق ودل على ذلك قوة الكلام، ولا يخفى ضعفه، وقرأ زيد بن علي: {يُضِلَّ} هنا وفيما يأتي و{يَهْدِى} بالبناء للمفعول وابن أبي عبلة في الثلاثة بالبناء للفاعل، ورفعًا للفاسقين خفضهم الله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين} تذييل أو اعتراض في آخر الكلام بناءً على قول من جوّزه، وقيل: حال، ومنع الساليكوتي عطفه على ما قبله قائلًا لأنه لا يصح كونه جوابًا وبيانًا، وأجازه بعضهم تكملة للجواب وزيادة تعيين لمن أريد إضلالهم ببيان صفاتهم القبيحة المستتبعة له وإشارة إلى أن ذلك ليس إضلالًا ابتدائيًا بل هو تثبيت على ما كانوا عليه من فنون الضلال وزيادة فيه. اهـ.

.قال الطبرسي:

اعلم أن الهداية في القرآن تقع على وجوه:
أحدها: أن تكون بمعنى الدلالة والإرشاد، يقال: هداه الطريق، وللطريق، وإلى الطريق: إذا دله عليه، وهذا الوجه عام لجميع المكلفين، فإن الله تعالى هدى كل مكلف إلى الحق، بأن دله عليه، وأرشده إليه، لأنه كلفه الوصول إليه، فلو لم يدله عليه، لكان قد كلفه بما لا يطيق. ويدل عليه قوله تعالى: {ولقد جاءهم من ربهم الهدى} وقوله: {إنا هديناه السبيل} وقوله: {أنزل فيه القرآن هدى للناس} وقوله: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} وقوله: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وقوله: {وهديناه النجدين} وما أشبه ذلك من الآيات. وثانيها: أن يكون بمعنى زيادة الألطاف التي بها يثبت على الهدى، ومنه قوله تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى} أي: شرح صدورهم، وثبتها وثالثها: أن يكون بمعنى الإثابة، ومنه قوله تعالى: {يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم} وقوله: {والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم} والهداية التي تكون بعد قتلهم: هي إثابتهم لا محالة، لأنه ليس بعد الموت تكليف ورابعها: الحكم بالهداية، كقوله تعالى: {ومن يهد الله فهو المهتد}. وهذه الوجوه الثلاثة خاصة بالمؤمنين دون غيرهم، لأنه تعالى إنما يثيب من يستحق الإثابة، وهم المؤمنون، ويزيدهم بإيمانهم، وطاعاتهم ألطافا، ويحكم لهم بالهداية لذلك أيضا وخامسها: أن تكون الهداية بمعنى جعل الإنسان مهتديا، بأن يخلق الهداية فيه، كما يجعل الشيء متحركا بخلق الحركة فيه. والله تعالى يفعل العلوم الضرورية في القلوب، فذلك هداية منه تعالى. وهذا الوجه أيضا عام لجميع العقلاء كالوجه الأول. فأما الهداية التي كلف الله تعالى العباد فعلها كالإيمان به، وبأنبيائه، وغير ذلك، فإنها من فعل العباد، ولذلك يستحقون عليها المدح والثواب، وإن كان الله سبحانه قد أنعم عليهم بدلالتهم على ذلك، وإرشادهم إليه، ودعائهم إلى فعله، وتكليفهم إياه، وأمرهم به، فهو من هذا الوجه نعمة منه سبحانه عليهم، ومنة منه واصلة إليهم، وفضل منه وإحسان لديهم، فهو سبحانه مشكور على ذلك، محمود إذ فعل بتمكينه، وألطافه، وضروب تسهيلاته، ومعوناته. اهـ.

.قال الفخر:

قال الفراء: الفاسق أصله من قولهم فسقت الرطبة من قشرها أي خرجت، فكأن الفاسق هو الخارج عن الطاعة، وتسمى الفأرة فويسقة لخروجها لأجل المضرة، واختلف أهل القبلة في أنه هل هو مؤمن أو كافر، فعند أصحابنا أنه مؤمن، وعند الخوارج أنه كافر، وعند المعتزلة أنه لا مؤمن ولا كافر، واحتج المخالف بقوله تعالى: {بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان} [الحجرات: 11] وقال: {إِنَّ المنافقين هُمُ الفاسقون} [التوبة: 17] وقال: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7] وهذه المسألة طويلة مذكورة في علم الكلام. اهـ.

.قال القرطبي:

والفِسْق في عُرْف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة الله عز وجل، فقد يقع على من خرج بكُفْر وعلى من خرج بعصيان. اهـ.

.قال الألوسي:

و{الفاسقين} جمع فاسق من الفسق، وهو شرعًا خروج العقلاء عن الطاعة فيشمل الكفر ودونه من الكبيرة والصغيرة.
واختص في العرف والاستعمال بارتكاب الكبيرة فلا يطلق على ارتكاب الآخرين إلا نادرًا بقرينة، وهو من قولهم: فسق الرطب إذا خرج من قشره، قال ابن الأعرابي: ولم يسمع الفسق وصفًا للإنسان في كلام العرب، ولعله أراد في كلام الجاهلية كما صرح به ابن الأنباري، وإلا فقد قال رؤبة، وهو شاعر إسلامي يستدل بكلامه:
يذهبن في نجد وغور أغائرا ** فواسقا عن قصدها جوائرا

على أنه يمكن أن يقال: لم يخرج الفسق في البيت عن الوضع لأنه وضعا خروج الإجرام وبروز الأجسام من غير العقلاء وما فيه خروج الإبل وهي لا تعقل.
والمراد بالفاسقين هنا الخارجون عن حدود الإيمان وتخصيص الإضلال بهم مرتبًا على صفة الفسق وما أجرى عليهم من القبائح للإيذان بأن ذلك هو الذي أعدهم للإضلال وأدى بهم إلى الضلال فإن كفرهم وعدولهم عن الحق وإصرارهم على الباطل صرفت وجوه أنظارهم عن التدبر والتأمل حتى رسخت جهالتهم وازدادت ضلالتهم فأنكروا وقالوا ما قالوا، ونصب {الفاسقين} على أنه مفعول {يُضِلَّ} أو على الاستثناء والمفعول محذوف أي أحدًا، ولا تفريغ كما في قوله:
نجا سالم والنفس منه بشدة ** ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا

ومنع ذلك أبو البقاء ولعله محجوج بالبيت. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والفاسق لفظ من منقولات الشريعة أصله اسم فاعل من الفِسق بكسر الفاء، وحقيقة الفسق خروج الثمرة من قشرها وهو عاهة أو رداءة في الثمر فهو خروج مذموم يعد من الأدواء مثل ما قال النابغة:
صِغار النوى مكنوزة ليس قِشْرُها ** إذا طار قِشْر التمر عنها بطائر

قالوا ولم يسمع في كلامهم في غير هذا المعنى حتى نقله القرآن للخروج عن أمر الله تعالى الجازم بارتكاب المعاصي الكبائر، فوقع بعد ذلك في كلام المسلمين، قال رؤبة يصف إبلًا:
فواسَقًا عن قَصْدهَا جوائرًا ** يَهوين في نجد وغورٍ غائرًا

والفسق مراتب كثيرة تبلغ بعضها إلى الكفر.
وقد أطلق الفسق في الكتاب والسنة على جميعها لكن الذي يستخلص من الجمع بين الأدلة هو ما اصطلح عليه أهل السنة من المتكلمين والفقهاء وهو أن الفسق غيرُ الكفر وأن المعاصي وإن كثرت لا تزيل الإيمان وهو الحق، وقد لقب الله اليهود في مواضع كثيرة من القرآن بالفاسقين وأحسب أنه المراد هنا وعزاه ابن كثير لجمهور من المفسرين. اهـ.

.قال في روح البيان:

قال القشيري رحمه الله:
الخلق في التحقيق بالإضافة في قدرة الخالق أقل من ذرة من الهباء في الهواء وسيان في قدرته العرش والبعوضة فلا خلق العرش عليه أعسر ولا خلق البعوضة عليه أيسر سبحانه وتقدس عن لحوق العسر واليسر.
واعلم أنه يمثل الحقير بالحقير كما يمثل العظيم بالعظيم وإن كان الممثل أعظم من كل عظيم كما مثل في الإنجيل غل الصدر بالنخالة قال: لا تكونوا كمنخل يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة كذلك أنتم تخرج الحكمة من أفواهكم وتبقون الغل في صدوركم ومثل مخاطبة السفهاء بإثارة الزنابير قال: لا تثيروا الزنابير فتلدغكم فكذلك لا تخاطبوا السفهاء فيشتموكم وقال فيه أيضًا: لا تدخروا ذخائركم حيث السوس والأرضة فتفسدها ولا في البرية حيث اللصوص والسموم فيسرقها اللصوص ويحرقها السموم ولكن ادخروا ذخائركم عند الله تعالى.
وجاء في الإنجيل أيضًا مثل ملكوت السماء كمثل رجل زرع في قريته حنطة جيدة نقية فلما نام الناس جاء عدوه فزرع الزوان وهو بفتح الزاي وضمها حب مر يخالط البر فقال عبيد الزراع: يا سيدنا أليس حنطة جيدة زرعت في قريتك؟ قال: بلى قالوا: فمن أين هذا الزوان؟ قال: لعلكم إن ذهبتم لتلقطوا الزوان تقلعوا معه حنطة دعوهما يتربيان جميعًا حتى الحصاد فأمر الحصادين أن يلقطوا الزوان من الحنطة وأن يربطوه حزمًا ثم يحرق بالنار ويجمعوا الحنطة إلى الجرين.
والتفسير الزراع أبو البشر والقرية العالم والحنطة الطاعة وزراع الزوان إبليس والزوان المعاصي والحصادون الملائكة يتوفون بني آدم.
وللعرب أمثال مثل قولهم هو أجمع من ذرة يزعمون أنها تدخر قوت سبع سنين وأجرأ من الذباب لأنه يقع على أنف الملك وجفن الأسد فإذا ذب أي: منع آب أي: رجع وأسمع من قراد تزعم العرب أن القراد يسمع الهمس الخفي من مناسم الإبل أي: أخفافها على مسيرة سبع ليال أو سبعة أميال وفلان أعمر من القراد وذلك أنها تعيش سبعمائة سنة وقيل: أعمر من حية لأنها لا تموت إلا قتلًا ويقال: أعمر من النسر لأنه يعيش ثلاثمائة سنة وفلان أصرد من جرادة أي: أبرد لأنها لا تظهر في الشتاء أبدًا لقلة صبرها على البرد وأطيش من فراشة أي: أخف منها وهي بالفارسية روانة وأعز من مخ البعوض يقال لما لا يوجد ويقال كلفتني مخ البعوض في تكليف ما لا يطاق وأضعف من بعوضة وآكل من السوس وهو القمل الذي يأكل الحنطة والشعير الدويبة التي تقع على الصوف والجوخ وغيرهما فتأكلها.
وبالجملة إن الله تعالى يضرب الأمثال للناس ولا يستحيي من الحق وله في أمثاله مطلقًا حكم ومصالح وما يتذكر إلا أولو الألباب. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحِى أن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}.
الاستحياء من الله تعالى بمعنى التَرْك، فإِذا وصف نفسه بأنه يستحي من شيء فمعناه أنه لا يفعل ذلك وإذا قيل لا يستحي فمعناه لا يبالي بفعل ذلك.
والخَلْقُ في التحقيق- بالإضافة إلى وجود الحق- أقلُّ من ذرةٍ من الهباء في الهواء، لأن هذا استهلاك محدود في محدود، فسِيَّان- في قدرته- العرش والبعوضة، فلا خَلْقٌ العرش أشق وأعسر، ولا خَلْق البعوضة أخف عليه وأيسر، فإِنه سبحانه مُتَقَدِّسٌ عن لحوق العُسْر واليُسْر.
فإذا كان الأمر بذلك الوصف، فلا يستحي أن يضرب بالبعوضة مثلًا كما لا يستحي أن يضرب بالعرش- فما دونه- مثلًا.
وقيل إن جهة ضرب المثل بالبعوضة أنها إذا جاعت فَرَّتْ وطارت، وإذا شبعت تشققت فَتَلِفَتْ- كذلك {إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّءاهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6].
وقيل ما فوقها يعني الذباب، وجهة الإشارة فيه إلى وقاحته، حتى أنه ليعود عند البلاغ في الذب، ولو كان ذلك في الأسد لم ينجُ منه أحد من الخَلْق، ولكنه لمَّا خَلَق القوة في الأسد خلق فيه تنافرًا من الناس، ولما خلق الوقاحة في الذباب خلق فيه الضعف، تنبيهًا منه سبحانه على كمال حكمته، ونفاذ قدرته.
قوله جلّ ذكره: {فَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا}.
فأمّا من فتحت أبصار سرائره فلا ينظر إلى الأغيار والآثار إلا بنظر الاعتبار، ولا يزداد إلا نفاذ الاستبصار، وأمَّا الذين سكرت أبصارهم بحكم الغفلة فلا يزيدهم ضربُ الأمثال إلا زيادة الجهل والإشكال والأنكال.
قوله جلّ ذكره: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلاَّ الفَاسِقِينَ}.
هذا الكتاب لقومٍ شفاءٌ ورحمة، ولآخرين شقاء وفتنة. فمن تعرَّف إليه يوم الميثاق بأنوار العناية حين سمعوا قوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] تذكَّروا عند ورود الواسطة- صلوات الله عليه وعلى آله- قديم عهده، وسابقَ وُدِّه فازدادوا بصيرة على بصيرة، ومَنْ رَسَمَهُ بِذُلِّ القطيعة، وأنطقه ذلك اليوم عن الحسبان والرهبة ما ازدادوا عند حصول الدعوة النبوية إلا جُحدًا على جُحد، وما خفي عليهم اليوم صادق الدلالة، إلا لِمَا تقدم لهم سابقُ الضلالة. لذلك قال الله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ}. اهـ.